"العشوائية" تضرب جراحة التجميل في الجزائر

تمارسها بعض صالونات التزيين وسط إقبال شعبي والوزارة تسعى لوضع الضوابط

يأخذ طب التجميل حيزاً واسعاً من اهتمامات الجزائريين، فبعد أن كان لا يخرج عن دائرة 'الجراحات الضرورية' بالنسبة للنساء، انتقل الأمر إلى عمليات تجميل صريحة تستجيب لما يطلبه 'الزبائن'، لدرجة مست شريحة الذكور الذين باتوا يبحثون عن الوصول إلى 'الرجل المرغوب'.

ولعل الأخبار المتداولة حول فشل عمليات التجميل لعدة فتيات ونساء أسهم في عزوف بعض الجزائريات عن القيام بعمليات تجميل محلياً، لا سيما أن مراكز وعيادات التجميل قليلة مقارنة بالطلب عليها، مما فتح المجال للنشاط السري وغير الشرعي إذ باتت محال التزيين النسائي تتسابق لتقديم خدمات تجميل رغم عدم اختصاصها وخطورة العملية.

تقول المتخصصة في طب الجلد جميلة مزهود، إن هناك محال تزيين تقدم حقن 'البوتوكس' و'الفيلر' من دون أدنى اعتبار للأخطار التي قد تنجم عن خطأ في إتمام المهمة، وأضافت أن هذا الوضع يستدعي تحرك الجهات المعنية على اعتبار أن النشاط يهدد الصحة العامة ويتسبب في حوادث وعاهات خطرة.

انتشار العشوائية

تضيف مزهود، أن طب التجميل لا يزال حديثاً في الجزائر من حيث اختصاص الكماليات الجمالية وليس التشوهات المرضية، إلا أن هناك مراكز تقدم خدمات وفق قاعدة علمية وإمكانات تكنولوجية حديثة، وهناك من يقدم الحقن من طريق البلازما بعد إجراء عمليات سحب الدم في بيته، وعلى رغم الأخطار التي قد تلحق بصحة الزبائن فإن الكل لا يبالي أمام الطموح الزائد للربح السريع مقابل الطلب المتواصل للحصول على وجه المشاهير وهو أمر مرفوض، وختمت أن البحث عن قوام ومظهر جميلين فتح سباقاً من الجنسين رغم الكلف الباهظة لبعض العمليات.

ليست محال التزيين وحدها من قفزت على التقاليد العلمية، بل هناك من حول منزله إلى عيادات غير قانونية تجرى فيها مختلف العمليات، مستغلين طلبات الزبائن من الجنسين الذين يبحثون عن أرخص الأسعار على حساب صحتهم، متخذين من وسائل التواصل الاجتماعي مساحات لإطلاق إعلانات وعروض لعمليات تجميل مختلفة تجرى في المنازل، فيما يعرض آخرون خدماتهم لمنح شهادات مزيفة يزعمون أنها معتمدة من الدولة التي تنفي الأمر.

وتلقى ظاهرة بيع منتجات تجميلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي انتشاراً واسعاً، على غرار 'الفيلر' و'البوتكس' وحبوب النفخ والشد من دون رقابة، إذ يلجأ أصحاب الدخل الضعيف من المهوسين بحياة المشاهير إلى اقتناء هذه المواد لأثمانها البخسة، سواء للاستعمال الذاتي أو لدى العيادات العشوائية.

أسعار بحسب المستوى

تختلف الأسعار المتداولة بخصوص عمليات التجميل، إذ يكلف تركيب رموش اصطناعية في المنازل وقاعات التزيين، أربعة آلاف دينار (ما يعادل 30 دولاراً)، وتركيب الأظافر بين ألفين وثمانية آلاف دينار (نحو بين 15 و60 دولاراً).

بينما يبلغ سعر علاج السمنة والتقليل من الوزن من خلال الكبسولة الذكية للتنحيف من 600 إلى 700 ألف دينار (أي 4450 إلى 5200 دولار)، وتفوق كلفة عمليات زرع الشعر للرجال، وتصغير الثديين وتكبير الأرداف لدى النساء 500 ألف دينار (ما يعادل 3700 دولار)، أما جراحة 'الميكروبلاندينغ' التي تشبه إلى حد كبير وشم الحواجب، فتبلغ 30 ألف دينار (222 دولاراً).

فيديو يثير ضجة

وأثار فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي ضجة كبيرة، بعد أن كشف عن تسجيل مخالفات عديدة بأحد صالونات التجميل غرب البلاد من طرف لجنة الصحة والنظافة وحماية البيئة، إذ أثبتت اللقطات وجود نشاطات طبية وشبه عمليات جراحية، استعملت خلالها مواد تهدد الصحة في حالة عدم تعقيمها أو اتباعها للطرق الطبية، فضلاً عن العثور على مواد تخدير وأخرى منتهية الصلاحية، وأظهر الفيديو وجود حقن لـ'البوتوكس'، وكميات من الدم وغيرها من الخروق الأخرى التي وقفت عليها اللجنة برفقة الأمن وممثلي التجارة وطبيبة مفتشة ومنظمة حماية المستهلك.

ترويج المؤثرات

وتصف صاحبة مركز تجميل ليليا قاصدي العمليات الجراحية التجميلية المنتشرة بالفوضى، لما تسببه من أخطار على صحة الإنسان، مستغربة لجوء الصالونات لاستخدام الليزر في عمليات نزع الشعر أو إزالة شوائب الوجه، وعلاج حب الشباب والمسام الواسعة، فيما هذا تخصص طبي له دارسوه. ويحقنون الأرداف بمنتجات غريبة لتكبيرها، ويلفون مادة الجبس على بطون النساء لتنحيفهن، حتى إنهم يضعون الجبس على فك الوجه لإخفاء الذقن المزدوج، وغيرها من الممارسات.

 وأشارت إلى أن انتشار التجميل العشوائي الذي بات يمارسه أشخاص غير متخصصين في هذا المجال يرجع إلى 'الإنترنت' وبرامج الواقع التلفزيونية، وقالت إن منصات التواصل الاجتماعي تعج بإعلانات حول عمليات التجميل، فيما تظهر برامج الواقع حياة الممثلات والمشهورات، وخضوعهن لعمليات تجميل زادتهن جمالاً وشهرة.

وتحمل مسؤولية الترويج لمثل هذه العمليات إلى المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، مبرزة أن كثيراً من المؤثرات يروجن لهذه المراكز للاستفادة من عمليات تجميلية مجانية أو للحصول على مقابل مالي متجاهلات الأخطار المحدقة بمتابعهن، وأوضحت أن الجراحة التجميلية تصحيح للعيوب والتشوهات وعلاجية.

ضوابط الوزارة

إلى ذلك، أدرجت وزارة التكوين المهني بعض التخصصات للراغبين في تعلمها بهدف تخليص القطاع من الفوضى الواقعة.

وأكد المكلف الإعلام على مستوى الوزارة سفيان تيسيرة أن الوزارة تمتلك لوائح لجميع تخصصات طب التجميل، وتدرج أو تضاف أخرى جديدة في حال كانت المجتمع في حاجة إليها، وأشار إلى وجود طلبات على تخصصات تصب في نشاط التجميل مما جعل الوزارة تدخلها في القائمة المسوح بها قانوناً.

وأوضح أن تخصص تجميل الأظافر الذي لم يكن موجوداً من قبل أدرجته الوزارة أخيراً، ووفرت له غلافاً مالياً يحتاج إليه المتخصصون للارتقاء به ضمن معايير دولية.

في السياق، دعا المشاركون في ملتقى بكلية الحقوق في جامعة يوسف بن خدة من قبل مخبر قانون الأسرة حمل عنوان 'الإطار الشرعي والقانوني لعمليات التجميل'، إلى ضرورة وضع ضوابط قانونية لطب التجميل وإيجاد وسائل لحماية الخاضعين لها نظراً لما تخلفه من أضرار.

وشدد المشاركون على الفرق بين جراحة التقويم التي تكون عادة لإصلاح ما نتج من حوادث أو حروق أو تشوهات خلقية، وبين نوع آخر يسمى جراحة التجميل التي تكون لأغراض غير علاجية الهدف منها تغيير شكل عضو من أعضاء الجسم لا يشعر الفرد بالرضا عنه، مشددين أن هذه الجراحة غير معترف بها على مستوى المجلس الوطني لأخلاقيات الطب في الجزائر ولا يدرس في جامعات البلاد، وأن المشرع الجزائري لم ينظمها بنصوص قانونية.